البشرية إلى أين ؟

                                             بسم الله الرحمن الرحيم
سمعت من  إحدى الإذاعات خبرا أثار استغرابي مفاده :" لقي 37 شخص مصرعهم و عديد الجرحى أثناء التدافع لجمع أوراق نقدية مزيفة المتطايرة من برج في إحدى البلدان في احتفالات بقدوم الوافد الجديد 2015 ." انتابني حينها شعور مزج بين الشفقة و اليأس بين الحزن و القلق ... أسئلة كثيرة حامت داخل فكري:
 هل وصلت القذارة لهذا المستوى من الانحطاط الفكري ؟؟
كيف يعقل أن يقدم شخص على هذا التصرف اللئيم ؟؟
هل أن النفس البشرية لا تملك أي قيمة في هذا العصر ؟؟ .
هذه الأسئلة و غيرها الكثير لم أجد لها تفسيرا يقنعني و لم أجد لها إجابة ترضيني إذ أني لا أستطيع أن أستوعب فكرة التدافع لجمع أوراق نقدية زائفة و إزهاق الأرواح من أجل ذلك . لا أعلم ما العقل الذي يلقي بصاحبه إلى تهلكة بهذا الشكل المأساوي و المؤسف. و لا أعلم إن كان عقول هؤلاء في وعيهم الكلي بما يفعلون أم لا أصلا.. إلا أنني متأكد من أن هذا الفعل لا يقدم عليه حتى المجنون .
مازلت حائر كيف سأبدأ طرح هذا الموضوع الطويل، مازلت متردد إن كنت سأتطرق إليه أصلا بالكيفية التي أريدها.. فأنا مازلت أبحث عن وضعية الإنسان المعاصر في القرن الواحد و العشرين ؛  في عصر التقدم العلمي التكلونوجي .. عصر الآلات الذكية و الحواسيب المحمولة .. عصر التلفاز و أجهزت الاتصالات .... إلى غير ذلك من ألوان التقدم العلمي الذي وصل إليه الإنسان.
حين أسرد مظاهر و محاسن هذا العالم تجد الإنسان البدائي الذي عاش في عصر الظلمات يتمنى العيش في عصر التطور و الحداثة حتى إنه ينفق ثروته كاملة من أجل الحصول على فرصة قضاء عطلة ترفيهية في عالم يحسبه للوهلة الأولى جنة الخلد و ملك لا يبلى بوصفك له سهولة العيش و سهولة التنقل في العالم بأسره و لكن أرجوك إن أردت أن تنصح غيرك فانصحه واخبره عن الإيجابيات و لكن لا تنسى أن تخبره و تحذره عن سلبيات هذا العصر  و هنا يمكنك أن تتحصل على جائزة نوبل للنصح و الإرشاد إن وجدت .
كلما يمر هذا الموضوع أمامي أتذكر قصة الطفل الصغير حين كان في العاشرة من عمره ، كان يهوى ألعاب الفيديو و مشاهدة التلفاز لساعات طويلة من اليوم. لم يعجب والده  بصنيعه و قال: يا ولدي إن نجاح الأسرة و ضمان استقرارها مرتبط أساسا بالحوار مع بعضها البعض و أنت لم تترك المجال حتى لتأكل معنا و تلتحق بنا في مائدة الطعام و قد كنا و نحن صغار نأكل مع العائلة و نتسامر مع الجد و الجدة فكانا يرويا لنا قصصا كثيرة منها المخيفة و منها المشوقة و منها الخيالية و لكن كل قصة من هذه القصص لها حكمة خاصة علمتنا معنى الحياة و كيفية التأقلم مع الظروف الصعبة التي كنا نعيش فيها و إني أنصحك يا بني أن تبتعد قليلا عن هذه الألعاب ليتسنى لنا أن نتبادل الحوار ففيه خير كثير ."
كان يظنها فكرة أخرى من أفكاره المتعددة محاولة منه أن يبتعد عن ألعاب الفيديو فقد وصل إلى مرحلة الإدمن على آفة القرن كإدمان المدخن على السيجارة و أن يصرف تركيزه إلى الدراسة و الاجتهاد أكثر فيها . لم يكن يعلم ساعتها بأن أباه يخشى أن تفقد العائلة روحها ( لا أقصد بذلك التشرذم و الانفصال و إنما تلك النفحات التي تعطي للحياة معنى آخر و مذاقا رائعا ) و بحكم نفسية الصغير و عقله لم يستطع أن يسيطر على نفسه و قد تمادى في صنيعه ذك. مع مرور السنين أيقن أن أباه كان على حق في كل ما قاله . حقا إن التطور اليوم أصبح نقمة كبيرة بقدر ما كان نعمة لا تقاس بثمن ؛ فتتدبروا معي كيف أن مخدر القرن الواحد و العشرون إن لم نحسن توظيفه واستغلاله فهو سيتحول من جنة إلي جحيم و من وسيلة للترفيه إلى وسيلة للتنغيص على حياة الفرد .
قد سردت لكم قصة واقعية يعيشها معظم الأطفال في عصر ألعاب الفيديو لأصف لكم حجم ضخامة المأساة العائلية التي ألحقتها لعنة العصر ؛ التكلونوجية .  أنا لا أنكر فائدة هذه الأجهزة على حياة الفرد فالإنترنت لها فوائد كثيرة منها جمع المعلومات بسهولة كبيرة ناهيك عن قدرتها العظيمة في تحسين الدخل الفردي من خلال التجارة الإليكترونية و فوائد أخرى عديدة و عظيمة . لا أنكر أيضا أن الإنترنت قد قربت البعيد و لكنها في الوقت نفسه أبعدت القريب فتجد الولد يتعرف على أناس من مختلف الجنسيات ؛ الإسبانية و الإيطالية و الجنوب إفريقية يعرف حالاتهم و أخبارهم و تاريخهم و حاضرهم و لكنه تجده يجهل تماما أحوال عائلته و أقاربه . صحيح أن الإنترنت قد وضعت حدا للتعب من أجل تحصيل العلم ففي الماضي الناس يرتحلون ستة أشهر أو حتى عاما كامل من أجل التثبت في نظرية علمية فجاءت الإنترنت بموسوعاتها العلمية لتحل هذا الإشكال و لكنها تمكنت أيضا من أن تحتقر الدور الكبير للكتاب .  
لا يمكننا أن نقف عند الإنترنت وحدها في وصف حالة الإنسان المعاصر فالتلفاز أيضا له دور كبير في تشكيل و نحت شخصية الإنسان في هذا العصر حتى أنها تمكنت من جعل السبع مليار نسمة على سطح الأرض مثل الروبوتات ''نسخ آدمية متماثلة و متشابهة " من خلال سيطرتها على العقول الباطنية فكل رسالة يتلقاها الإنسان من التلفاز يستقبلها العقل الباطني و يخزنها و تتحول إلى سلوك أو عمل أو قول و قد تم اكتشاف هذه الظاهرة من قبل خبراء في علم النفس و لا يمكنني الآن أن أتوسع في طرح هذا الموضوع لضخامته و صعوبته عسى أن يتسنى لي أن أفتحه في وقت آخر إن شاء الله . و لكن أريد أن تمعن النظر في وظيفة التلفاز ستجده ينقل الأخبار التي تكون عادة إما عن القتل و الحروب و إما عن الكوارث و المصائب . كما أن التلفاز ينقل أحول العامة و الخاصة كما أنه يخبرنا بآخر الإحصائيات عن الحالات الإنسانية ؛ الفقر ، المجاعة ، الخصاصة و الحرمان كل هذه الظواهر تتأتى أساسا من سيطرة رؤوس الأموال على عامة الشعب واستخدامهم كالعبيد في تحقيق أكبر نسبة دخل و عدم الإكتراث لأحوالهم فتجد العامل البسيط يشتغل في اليوم 12 ساعة متواصلة بينما أجره لا يفي بكماليات الكماليات في منزله .
 و حسب آخر الإحصائيات يعيش حاليا قرابة ملياري انسان في عشوائيات و مقابر و مدن الصفيح , و تتوقع المنظمة الدولية ارتفاع عددهم الى ثلاثة مليارات انسان. هنالك قرابة مليار انسان في سن العمل عاطلين عن العمل. و هنالك عدد مماثل ممن يعملون جزئيا او يتم تصريفهم الى برامج اجتماعية تعدها الحكومات لاخفاء الارقام الحقيقية للعاطلين عن العمل كأن تكون دورات تأهيل او دراسة او غير ذلك.
90% من البشر الذين يعملون في يومنا هذا يعملون في قطاعات الدولة و الخدمات و المصارف و في الجيش و الشرطة و التجارة و المبيعات و الدعاية و غيرها من الوظائف التي هي في الحقيقة غير انتاجية و لا تخدم سوى تداول و تنظيم و حماية النقود و الارباح.
ماذا ينتظرنا بعد فنحن نعيش حياة متطورة تكنولوجيا نحسب أنها الأمثل لكنها الأسوأ لافتقارها للإنسانية فما فائدة التلفاز إن كنا نشاهد فيه بشرا يقتلون بعضهم و ما فائدة التقدم البيولوجي مادامت تلك الخضروات التي نأكلها و المعالجة كيماويا ستؤدي إلى قتلنا يوما وما فائدة النفط إن كان يقتل الأسماك لتي في المحيط و يؤدي إلى انقراضها نتيجة التسبربات في البحر .. ألا يعتبر إنجاب الأطفال إلى هذا العالم جريمة ضدهم ؟
إن هذه الحيرة تجد ما يبررها في زمن العولمة و إرادة السيطرة (سيطرة النموذج الأمريكي) حيث اشتد الصراع بين الشعوب خاصة أمام انقسام العالم لدول قوية منتجة و أخرى مستضعفة مستهلكة فأصبح حال المجتمعات كحال الغاب السيادة فيه للأقوى .

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

إفريقيا:أغنى القارات تموت جوعا

آل سعود وجه الأخر لإسرائيل

الحروب الخفية: الجزء الأول الحرب المناخية